تقرير يكتبه:
سامح محروس
في 23 من سبتمبر العام 1932م جاء الإعلان التاريخي للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، لتوحيد المملكة المباركة تحت راية “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها بعد جهاد وكفاح استمر اثنان وثلاثون عاماً، وضع خلالها قواعد راسخة لهذا البنيان العظيم، وذلك على هديٍ من كتاب الله الكريم وسنة الرسول الأمين، عليه الصلاة والسلام، سائراً في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود.
ملحمة جهادية
أفنى القائد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عمره في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من ثمانية عقود تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، ليؤسس بفضل الله تعالى دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا، لترتسم على أرض المملكة العربية السعودية ملحمة جهادية، تمكَّن فيها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، وبتوفيق الله وما حباه الله من حكمة وصل الملك عبدالعزيز إلى إرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ قادته لنشر العدل والأمن ممضيًا من أجل ذلك سنين عمره.
ونشأت آنذاك دولةً فتيةً تزهو بتطبيق شرع الإسلام، وتصدح بتعاليمه السمحة وقيّمه الإنسانية في كل أصقاع الدنيا، ناشرةً السلام والخير والدعوة المباركة، باحثةً عن العلم والتطور سائرةً بخطى حثيثة نحو مستقبل أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع.
شخصية قوية
للملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وعُرف عنه احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته –رحمه لله–، فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة.
وتمكن الملك عبدالعزيز آل سعود عبر رحلة طويلة من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكًا لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبحت لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.
واهتم الملك عبدالعزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م.
النهوض بالبلاد
وجَّه الملك عبدالعزيز عند بداية تنظيم الدولة بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.
وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، وانتعشت الأرض الصحراوية بخروج الذهب الأسود الذي حوّل الصحراء إلى مدينة مزدحمة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط.
وحرص الملك عبد العزيز أثناء حياته على نشر الكتب وطباعتها وتوزيعها على الناس عامة وطلبة العلم خاصة في داخل المملكة وخارجها، كما ساعد بعض المؤلفين على الاستمرار في نشاطه العلمي من خلال شراء نسخ عديدة من الكتب المطبوعة وتوزيعها على نفقته الخاصة.
وكان اهتمام الملك عبدالعزيز بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى، آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة بقرارها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية.
وانطلاقًا من النهج الإسلامي القويم دعا إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم إسهامًا متميزًا في تأسيس جامعة الدول العربية، وفي الأمم المتحدة عضوًا مؤسسًا، كما سجّل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية.
رحلة طويلة
تُوفي في شهر محرم من عام 1373ه، بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد لتظل -ولله الحمد- في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر.
يقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ على البناء وتخطي العوائق والصعاب والتغلب على كل التحديات بفضل من الله وتوفيقه أولاً، ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة.
قفزات غير مسبوقة
أرسى الملك عبدالعزيز منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه، لتعيش المملكة اليوم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله- عهد الاستدامة والنمو والتطور، ويشهد الشعب السعودي قفزات كبيرة وخطوات غير مسبوقة في جميع المجالات داخليًا وخارجيًا، رسمت ملامح المملكة، وأرست دعائم مكانتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ورسخت دورها المؤثر في الاقتصاد العالمي، كونها قائمة على قاعدة اقتصادية صناعية صلبة، جعلتها ضمن أقوى 20 اقتصادًا على مستوى العالم. ومن عامٍ إلى عامٍ ومع كل احتفاء بيوم الوطن، يحتفل الوطن أيضاً بمنجزات جديدة داخلياً وخارجياً، ويستذكر أبناء المملكة هذه المناسبة الوطنية وهم ينعمون برخائها ويتمتعون بنموها، معتزين بشموخها، ومتفاخرين بإنجازاتها، وطامحين لمستقبل يحقق أحلامهم ويرسم طريقاً ذا خطى ثابتة للأجيال المتعاقبة، تحت ظل قيادة حكيمة سارت بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، وسخرت كل السبل لراحة المواطن والمقيم، ليعيشوا بكرامة وعزة وسلام وأمان.