سامح محروس
الحياة والموت أمر قدرى بيد الله وحده، ولا علاقة له بالصحة والمرض، فكم من مريض طال به العمر فوق توقعات البشر وحسابات الأطباء، وكم من صحيح انتهى به الأجل فجأة ودون أى مقدمات، والأمر كله بيد الله، غير أن توفير الخدمة الصحية للإنسان يبقى أمرًا إنسانيًا مهمًا واحتياجًا لا غنى عنه.
لقد تناولت فى مقال سابق حجم المعاناة التى يواجهها الصحفيون فى العلاج على خلفية الموقف القانونى الملتبس لوضع الصحافة. والصحفى بحكم طبيعة عمله يتعرض لمخاطر كثيرة تجعله أكثر عرضة للمتاعب صحية، فضلا عن كونه يعمل فى ظروف قاسية – تؤثر أيضًا على حالته الصحية – من حيث الدخل المتدنى الذى تدحرج بمرور الزمن من المركز الثالث فى هيكل الأجور ليقبع فى مرتبة متدنية.
وباستثناء مشروع العلاج بنقابة الصحفيين ومساهماته الرمزية، لا توجد آلية واضحة لعلاج الصحفيين، وتتفاقم المشكلة إذا استلزم الأمر تدخلًا جراحيًا أو البقاء فى غرفة للعناية المركزة تستنزف عشرات أو مئات الآلاف من الجنيهات، بما يفوق طاقة السواد الأعظم من الصحفيين باستثناء بارونات الصحافة الخاصة وجنرالات الفضائيات. هنا تبدأ مرحلة الاستغاثات على صفحات التواصل الاجتماعى من دائرة الأصدقاء المحيطة، وهذه مسألة حظ تخضع لاعتبارات كثيرة. قد تصل الاستغاثة وقد لا تصل، وإذا وصلت قد تجد من يتبناها ويتعاطف معها وقد لا تجد، وكم من صحفيين مروا بظروف صعبة وابتلعوا آلامهم وغادروا الدنيا دون أن يسمع عنهم أحد، فى الوقت الذى توفر فيه الدولة علاجًا على أرقى مستوى للعديد من الفئات وفى أفضل المستشفيات مثل القضاة وأعضاء البرلمان وغيرهم، دون أن تؤرقهم فاتورة العلاج.
صحيح أن الدستور الحالى خلا من أى إشارة واضحة للصحافة باعتبارها إحدى سلطات المجتمع، وهذا يختلف عما كان عليه الحال فى دستور 1971 الذى كان ينص على أن الصحافة هى إحدى سلطات المجتمع، وكان يُشار إليها صراحة باعتبارها “السلطة الرابعة” إلى جانب السلطات التقليدية الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، غير أن الواقع الذى تمثله الصحافة (قومية وحزبية وخاصة) تجاوز أى نص دستورى، فالصحافة هى البرلمان الحقيقى المعبر عن هذا الشعب، والملاذ الأول والأخير له. لقد عرفت مصر انقطاع الحياة البرلمانية عبر تاريخها المديد، مثل ما حدث عقب ثورتى 2011 و2013، غير أنها لم تعرف انقطاع الحياة الصحفية يومًا واحدًا. مصر استطاعت أن تعيش بدون برلمان، ولكنها لم تستغن عن صحافتها.
ورغم كل الظروف الاقتصادية ورغم تراجع معدلات وعادات القراءة، تبقى صحافة مصر هى الأكثر ارتباطًا بشعبها، المدافع الأول عن الدولة بكل مقوماتها ومكوناتها، يعمل أبناؤها فى كل الظروف، هم الحاضر الدائم مع مؤسسات الدولة فى كل مكان: المستشفيات وأقسام الشرطة والمحاكم وساحات المواجهة مع عناصر الإرهاب والخارجين عن القانون، لا يمنعهم وباء ولا يحول دون تحركهم محظور، إنها رسالة بكل معنى الكلمة يواجه صاحبها مخاطر شتى يوميًا، غير مبال بحياته أو صحته، ودون أن يثنيه التفكير فى أن وراءه أسرة تنتظر عودته.
كان هناك حلم يراود الصحفيين بانشاء مستشفى خاص بهم، وسمعنا وعودًا كثيرة مع انتخابات النقابة المتعددة، وإلى أن يتحقق هذا الحلم أقترح أن يصدر قرار بعلاج الصحفيين فى مستشفيات القوات المسلحة والشرطة بنفس المعايير والمساهمات التى يدفعها أبناء هذه الفئات، وأن يتم الحاقهم بمشروعات العلاج التى تقدمها هذه المؤسسات بنفس قيمة الاشتراكات، وهذا أقل ما يمكن تقديمه لمهنة تعد شريك أساسى فى الحفاظ على الدولة ومؤسساتها.