سامح محروس
كشف تقريران حديثان صدرا عن معهد “رويترز” لأبحاث الصحافة، ومؤسسة “كيبيوس” العالمية المختصة باصدار التحليلات الرقمية عن معلومات مذهلة تستحق دراستها حول سلوكيات استهلاك الأخبار والتعامل مع وسائل الإعلام بين الشرائح العمرية المختلفة فى دول العالم.
تقرير معهد “رويترز” لعام 2022 استند إلى استطلاع ضخم جرى تنفيذه على 93 ألف عينة من 46 دولة فى خمس قارات يمثل تعداد سكانها نصف سكان العالم. وكشف عن تراجع وسائل الإعلام التقليدية بشكل كبير. ففى دولة مثل المانيا تراجع الاعتماد على الصحف المطبوعة من 63% إلى 26% خلال الفترة 2013- 2022، كما تراجع التليفزيون من 82% إلى 65%، والراديو من 51% إلى 39%. بينما زاد الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعى من 18% إلى 32%. وفى الولايات المتحدة تراجع الاعتماد على المطبوع من 47% إلى 15% مقابل زيادة التواصل الاجتماعى من 27% إلى 42%.
أما تقرير مؤسسة “كيبيوس” الصادر بالتعاون مع مؤسسات بحثية معتبرة مثل We Are Social وHootSuite فقد أوضح فى الجزء الخاص بمصر Digital Egypt 2022، أن مصر تأتى ضمن أعلى 10 دول استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعى فى العالم بمتوسط 2,5 ساعة لكل مستخدم يوميًا، ويبلغ عدد مستخدمى التواصل الاجتماعى 51,5 مليون مستخدم بزيادة 2.5 مليونًا عن 2021.
وجاء موقع الفيديوهات الشهير “يوتيوب” فى المقدمة بـ46,3 مليون مستخدم، يليه الفيس بوك بـ 44,7 مليون مستخدم، ثم فيس بوك ماسنجر 34,6 مليونًا، تيك توك 20,3 مليونًا، انستجرام 16 مليونًا، سناب شات 13,6 مليونًا، لينكد ان 6,4 مليونًا، ثم تويتر فى النهاية 5,15 مليون مستخدم.
وأوضح التقرير أن نحو60% من السكان يقع فى الشريحة العمرية بين 13 و54 سنة، وهى الشريحة الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعى، بينما تبلغ الشريحة التى تتجاوز 55 عامًا نحو 11% من تركيبة المجتمع.
وإذا اسقطنا هذه الأرقام على النتائج التى توصل إليها مركز Pew الأمريكى لأبحاث قارئية الصحف، والتى تشير إلى أن أفضل شريحة لقراء الصحف هى تلك التى تتجاوز 55 عامًا، فإن أفضل قراء الصحف فى مصر لا يتجاوزون 10% من المجتمع.
تكشف هذه الأرقام عن تحديات تواجهها صناعة الصحافة على النحو التالى:
أولًا: مدى اعتماد القارئ على الصحيفة وتمسكه بها كمصدر للمعرفة، فالصحافة – وخاصة الورقية – تخضع لقواعد مهنية وتشريعية وأخلاقية، وهنا يثور التساؤل حول مدى قدرة الصحف على الاستمرار فى رسالتها ودورها فى هذه البيئة المتغيرة؟
ثانيًا: قضية “التمويل”، حيث لم يعد التوزيع يأتى فى صدارة مصادر تمويل العمل الصحفى، وتراجع مركزه النسبى إلى الدرجة الثالثة وربما الرابعة خاصة مع ارتفاع أسعار مستلزمات الانتاج وأولها الورق، مصحوبة بتغيرات سعر العملة. والتوزيع لا يغطى فى أفضل الأحوال أكثر من 18% من مصاريف أى إصدار.
ثالثًا: “تحدى المحتوى المجانى”، حيث كشف تقرير “رويترز” عن أن 17% ممن تم سؤالهم فى الاستبيان العالمى يدفعون مقابل الأخبار والمقالات. ومن جانبى أقول : إن إدمان استخدام مواقع التواصل الاجتماعى ومواقع الانترنت المجانية خلق لدى المستهلكين الجدد اعتيادًا على مطالعة ما يريدونه دون مقابل.
إن كل ما سبق يستلزم حوارًا علميًا جادًا حول مستقبل صناعة الصحافة فى مصر، والتى تشكل الصحف القومية والحزبية والخاصة عمادها الرئيسى.
إن مصر التى تواجه حربًا ضروسًا فى مواجهة الشائعات يجب أن تولى اهتمامًا بصحفها التى تمثل مدارس صحفية، وأن تكون هناك رؤية جادة وتحركًا يستند لعمل إعلامى أكثر وعيًا واحترافية.