سامح محروس
أسعدنى الحظ أن أعرف اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية الأسبق عن قرب منذ الأيام الأولى لتوليه منصبه محافظًا للمنيا سنة 1996. كان اللواء عيسوى واحدًا من رجال الدولة الذين يؤمنون بدور الإعلام وضرورة مخاطبة الرأى العام، وأشهد أنه كان كريمًا ومتعاونًا إلى أقصى درجة، فلم يغلق بابه فى وجه أحد ولم يتهرب من الإجابة على أى سؤال. وصول اللواء منصور عيسوى لمنصب المحافظ كان تتويجًا لمسيرة أمنية مُشرفة صعدها من أول السلم عقب تخرجه فى كلية الشرطة سنة 1959، حيث التحق بكل مواقع الأمن العام إلى أن أصبح مديرًا لأمن الجيزة 1988، ثم مساعدًا لوزير الداخلية لشمال الصعيد 1991، فمساعدًا للوزير لوسط الصعيد 1992، ثم مساعدًا للوزير ومديرًا لأمن القاهرة 1993، ثم مساعدًا للوزير للأمن العام 1995، فمحافظًا للمنيا 1996، وهو الموقع الذى لم يستمر فيه سوى لعام واحد، رغم أن التوقعات كانت تشير إلى تصعيده وزيرا للداخلية، أو على الأقل بقاءه محافظًا للمنيا، ويُقال أن السبب كان حديثه بطريقة حادة مع مسئول كبير فى رئاسة الجمهورية آنذاك.
وبعد 14 عامًا من خروج اللواء عيسوى، تشاء إرادة الله أن يتم تعويضه، فيعود مرة أخرى ويصبح أول وزير للداخلية فى ثورة يناير 2011، بالحكومة التى شكلها الدكتور عصام شرف فى 6 مارس 2011 أثناء تولى المشير حسين طنطاوى رئاسة المجلس العسكرى.
عاد اللواء عيسوى للخدمة فى مرحلة ملتهبة ومعقدة شهدت سيولة أمنية، بين نظام مبارك الذى انتهى حكمه بحالة احتقان وإنفجار للأوضاع، والتيارات السياسية المتربصة التى قفزت على الثورة، وكان الأمن هو “العقدة” التى تبدأ منها وتنتهى إليها كل الأوضاع فى مصر. وكانت المهمة الوطنية التى نجح فيها اللواء منصور عيسوى خلال 9 شهور من المسئولية تتمثل فى إعادة بناء جهاز الشرطة وهيكلته، خاصة أن هذه الفترة شهدت واقعة اقتحام مبنى “أمن الدولة”، مما استلزم قرارات جريئة، فأصدر قراره منتصف مارس 2011 بإلغاء الجهاز، وتشكيل قطاع “الأمن الوطنى” ليمارس عمله وفق رؤية جديدة، مع العمل على إصلاح ما تهدم من جسور بين المواطنين والشرطة. وبالمناسبة .. اقترب اللواء عيسوى من رجل الشارع، وكان يخرج من بيته فى الجيزة مستخدمًا سيارته الشخصية، رافضًا الخضوع لإجراءات الحراسة الخاصة المكلفة بتأمين وزير الداخلية.
وشهدت فترة تولى اللواء عيسوى المسئولية حادث اقتحام السفارة الإسرائيلية فى 9 سبتمبر 2011 أثناء مظاهرات جمعة “تصحيح المسار”، لقد حدثنى اللواء منصور عيسوى عن هذا الحادث وأوضح أنه كان يمثل إحراجًا له كوزير للداخلية، وإحراجًا للدولة المسئولة عن تأمين البعثات الدبلوماسية بعيدًا عن أى مواقف سياسية.
كان اللواء منصور عيسوى واحدًا من “عمد” مصر الحقيقيين، وكثيرًا ما كنت أذهب لزيارته فى منزله الذى انتقل له بالتجمع الخامس، بعد أن غادر شقته بشارع مراد بالجيزة، وكان يفتح بابه بكل كرم ومحبة وأبوة حقيقية، لكل من يلجأ إليه مقدمًا الدعم والمساندة.
وأذكر ذات مرة أننى طلبت منه أن يصدر مذكراته، وخاصة عن فترة توليه منصبه كوزير للداخلية، فأوضح أنه قام بتوثيق كل ما لديه وسلمه فى ملف كامل للمشير حسين طنطاوى، وأنه يضع شهادته على الأحداث فى يد الدولة.
لقد أدلى اللواء عيسوى بشهادة تاريخية مهمة أمام “محكمة القرن”، وهى رغم أهميتها إلا أنها لا تتطرق لفترة عمله وزيرًا للداخلية.
اللواء منصور عيسوى فى دار الحق الآن، وأتمنى ألا تضيع تفاصيل مهمة لمرحلة دقيقة وحساسة فى تاريخ مصر، وشهادته على تلك المرحلة هى حق للوطن ولأبناءه الذين يجب أن يعرفوا كل شئ عن تلك المرحلة.
خالص العزاء لأسرة الوزير اللواء منصور عيسوى، وأتمنى أن تقوم ابنته الوفية الدكتورة هالة عيسوى بتقديم ما يمكن أن يسهم فى عرض هذه التجربة الثرية. وسبحان من له الدوام.