قبل كل شئ، تقتضى الأمانة الإقرار بأن مصر لديها جهاز مصرفى قوى يقوم بدوره بكل احترافية للحفاظ على الدولة ومقدرات شعبها، وهو دور وطنى يماثل ما يقدمه أبطال الجيش والشرطة فى الحفاظ على البلد. وقد أسعدنى الحظ خلال فترة عملى محررى اقتصاديًا أن أعرف وأحاور العديد من القامات الاقتصادية الرفيعة، أذكر منهم الدكتور حامد السايح وزير الاقتصاد الأسبق، والسيد على نجم محافظ البنك المركزى الأسبق، والعملاق محمود عبد العزيز رئيس البنك الأهلى ورئيس اتحاد البنوك الأسبق، واطلعت على تجاربهم الرائدة وما يقوم به الجهاز المصرفى فى دعم الحياة الاقتصادية، وهو الدور الذى يستكمله بكل كفاءة واقتدار نخبة من القيادات المصرفية المتميزة بقيادة المحافظ حسن عبد الله، والسيد هشام عكاشة رئيس البنك الأهلى، والسيد محمد الأتربى رئيس بنك مصر، والسيد طارق فايد رئيس بنك القاهرة. وللأمانة فإن بنوك القطاع العام الثلاثة تحظى بثقة حقيقية وكبيرة من المصريين، فالبنك الأهلى المصرى هو أبو البنوك المصرية، وكان هو البنك المركزى المسئول عن إصدار النقد حتى عام 1957، وبنك مصر يعد رمز الوطنية والهوية والاقتصاد الوطنى وهو ليس مجرد بنك تجارى، بل هو جزء أصيل من تاريخ مصر، وبنك القاهرة صرح اقتصادى وطنى حقيقى له مكانته لدى المصريين الذين نجحوا فى الحفاظ عليه، والتصدى لمؤامرة بيعه إيمانًا بدوره الحيوى.
الشاهد فيما سبق أن البنوك، وخاصة بنوك القطاع العام تضطلع برسالة عظيمة حيث يأتمنها المصريون على أموالهم، وتتولى نيابة عنهم استثمارها، لتوفر فرص العمل وتدفع حركة النشاط الاقتصادى.
وأخرج من كل ما سبق، لأضع اقتراحا أمام السيد حسن عبد الله محافظ البنك المركزى، ورؤساء بنوك الأهلى ومصر والقاهرة – قاطرة العمل المصرفى – بالنظر إلى قدامى العملاء الذين مازالوا حائزين على شهادات استثمار بأسعار فائدة متدنية، وغير قادرين على اتخاذ قرار باستردادها خوفا مما ينتظرهم من خسائر فادحة بسبب القيمة الاستردادية حيث تزداد الخسائر كلما زادت مدة الشهادة. إن الفائدة التى تمنحها البنوك للعملاء سلاح اقتصادى مهم، فهى إضافة لكونها وسيلة لمواجهة “الدولرة” والحفاظ على الجنيه، فإنها تقدم تعويضًا بسيطًا للمودعين سواء للحفاظ على جزء من قيمة مدخراتهم، أو لتمكينهم من مواجهة أعباء الحياة. وقد درجت البنوك على وضع قيمة استردادية يخسر بمقتضاها المودع نحو 70% من الفائدة التى سبق أن حصل عليها. وإذا كان هناك عملاء مازال لديهم شهادات بفائدة 11% أو 12% فإن إقدام هؤلاء على “فك” شهاداتهم هو قرار ظالم، خاصة أن الجنيه المصرى فقد نحو 35% من قيمته خلال الشهر الماضى فقط. كما فقد أكثر من 60% من قوته الشرائية منذ قرار تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، ويبقى هؤلاء العملاء فى حاجة إلى نظرة إنصاف، خاصة أن إيداعات القطاع العائلى تشكل نحو 64% من ودائع البنوك.
أقترح أن تقوم البنوك بتحريك أسعار الشهادات القديمة التى مازال أمامها أكثر من عام حتى يحين موعدها، أو أن تقوم بمراجعة القيمة الاستردادية وإلغاء نسبة الخصم أو تخفيضه تعويضًا لأصحابها، وإنقاذًا لما يمكن إنقاذه.