سامح محروس
تشهد العاصمة السعودية الرياض يومى 20 و21 فبراير 2023، أعمال المنتدى السعودى للإعلام فى نسخته الثانية والتى تنطلق تحت شعار: “الإعلام فى عالم يتشكل” بمشاركة أكثر من 1000 خبير إعلامى عالمى يناقشون ويحللون واقع ومستقبل الإعلام فى عالم يتسم بالتحول والتشكل من جديد، عبر أكثر من 100 ورقة عمل وتجربة يتم عرضها، إضافة إلى ورش العمل والنقاشات المهنية.
لقد أصبح المنتدى السعودى للإعلام منصة حوارية فى غاية الأهمية والرقى، تسهم فى تشكيل وصياغة صناعة الإعلام فى العالم، ويكشف عن حجم النمو الهائل الذى تشهده صناعة الإعلام فى السعودية الشقيقة، فقد أصبحت الرياض واحدة من أهم عواصم العالم، وسبق أن تولت السعودية رئاسة مجموعة العشرين، وحققت المرتبة الأولى فى تسجيل أعلى مستويات النمو بين دول العشرين بنسبة 11%، بالإضافة إلى القوى الإعلامية الهائلة من كبريات الشبكات والإذاعات التى تملكها السعودية سواء كانت رسمية أو خاصة، وتغطى بشكل شبه كامل المنطقة العربية وأجزاء من العالم، مما جعل السعودية نقطة ارتكاز مهمة فى العديد من مواطن الحراك حول العالم، لما تمثله من ثقل متنوع المصادر وأدوار فاعلة فى تقريب وجهات النظر حول المصالح الإنساية المتعددة. كما تعد الرياض اليوم العاصمة العربية المهمة والمؤثرة فى صناعة القرار إقليميًا ودوليًا، وهى أكبر سوق إعلامى وإعلانى فى المنطقة، وعاصمة أكبر اقتصاد عربى وشرق أوسطى، ومقرًا لكبرى الشبكات الإعلامية بالمنطقة، وتملك أكبر مخطط لبناء المدينة الإعلامية لدعم الصناعة الإعلامية ومخرجاتها، وتوفر البيئة الغنية بالتجارب الإعلامية بشتى أنواعها وإمكاناتها ومرافقها المتقدمة.
لكل هذه المعطيات وغيرها، يكتسب المنتدى السعودى للإعلام الذى تنظمه هيئة الإذاعة والتليفزيون برئاسة الخبير الإعلامى محمد بن فهد الحارثى بالتعاون مع هيئة الصحفيين السعوديين أهمية بالغة، خاصة بعد النجاح المبهر الذى شهدته النسخة الأولى التى عقدت فى ديسمبر 2019، ودارت بها مناقشات ثرية وقوية تكشف عن حجم الثراء المعلوماتى والإنطلاقة الفكرية التى يشهدها المجتمع السعودى، ولولا أننى حضرت بنفسى وسمعت ما دار فى هذا اللقاء ما صدقت أحدًا لو روى لى ذلك، ولكن هذا ليس بمستغرب على السعودية التى تشهد نهضة فكرية ومعرفية وثقافية تضعها فى صدارة المشهد الدولى.
الجميل والجديد فى منتدى هذا العام أنه يشهد قراءة واقعية لطبيعة التحديات التى تواجهها صناعة الصحافة والإعلام فى العالم، وهى تحديات ماثلة وحقيقية، وتستلزم مراجعة قواعد إدارة وتشغيل وتمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية. وقد شعرت بسعادة حين طالعت الملف التعريفى للمنتدى وما يتبناه من أهداف تكشف عن مدى التميز والإبداع الذى تدار به النسخة الثانية، حيث يناقش المنتدى ولأول مرة قضية “الحوكمة” ويسعى إلى وضع أسس حوكمة الإعلام وتأثيراته المباشرة فى البعد الثقافى للتراث ومبادراته، ولعلى أضيف أن الحوكمة تعد أحدث منهج إدارى توصل له العالم على خلفية الأزمات الاقتصادية التى شهدها العالم منذ تسعينيات القرن الماضى، وخاصة بعد أزمة بورصة لندن للأوراق المالية 1991 – 1992، ثم أزمة الأسواق المالية الأسيوية 1997، ثم الأزمة المالية العالمية 2008، والحوكمة تعنى ببساطة “الرشد الإدارى” وقد اهتمت العديد من المؤسسات الدولية ومن بينها البنك الدولى WB ومنظمة التمويل الدولية IMF ومنظمة التعاون الاقتصادى OECD بوضع أسس وقواعد لحوكمة الشركات كإجراء وقائى يمنع إساءة استخدام القرار، ويعصمها من سوء الإدارة. هذا الملف واحدا من أهم القضايا فى صناعة الإعلام، وأحسب أن المنتدى السعودى للإعلام هو أول من يفتح هذا الملف على مستوى إدارة المؤسسات الإعلامية والصحفية على مستوى العالم.
أيضا من بين الموضوعات التى يهتم بها المنتدى: مناقشة واقع الصناعة الإعلامية وتحدياتها التنظيمية والثقافية والمهنية والتقنية والعوامل المعاصرة المؤثرة فيها، وهذه قضية خطيرة فى ضوء التحدى الذى يفرضه مفهوم “التحول الرقمى” على صناعة الإعلام، حيث أدى تغلغل التكنولوجيا الحديثة إلى تغيير كبير فى طبيعة الخدمات والمنتجات والمعارف، وقد بدأ هذا المفهوم يأخذ حيزًا كبيرًا من المهتمين بإدارة الصحف والمؤسسات الإعلامية منذ أن أطلق المنتدى الاقتصادى العالمى مبادرة التحول الرقمى Digital Transformation Initiative بوصفها جزءًا من مبادرات متعددة لتشكيل المستقبل فى 2015، ويعد التحول الرقمى أساس الثورة الصناعية الرابعة، التى أصبحت فيها التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من المجتمعات، وحتى جسم الإنسان، وتتسم باختراق التكنولوجيا العديد من المجالات، ومن هنا أصبح التحول الرقمى ضرورة حتمية واتجاها عصريا يتوافق مع ما يشهده عالمنا من متغيرات، والمؤكد أن كل هذا يلقى بتحدياته على صناعة الصحافة التى يجب أن تتواكب مع هذا الواقع الجديد. وهذه واحدة من القضايا المحورية التى يناقشها المنتدى.
أضف إلى ذلك قضايا يطرحها المنتدى على أجندة أعماله مثل: بلورة دور المؤسسات الإعلامية والاتصالية كقوى ناعمة تسهم فى بناء السمعة للدول والمجتمعات، وتعزيز العناية بصناعة المحتوى الإعلامى ومناقشة دوره فى تشكيل الرأى العام فى البيئة الجديدة للإعلام، ومناقشة دور التحول الرقمى للصناعة الإعلامية فى تعزيز تنافسية وسائل الإعلام، وتسليط الضوء على دور تأهيل العنصر البشرى فى البيئة الجديدة للإعلام والاتصال.
جدول أعمال المنتدى وأهدافه والقضايا التى يناقشها ثرى ومتنوع ويغطى أغلب القضايا التى تهم المعنيين بصناعة الإعلام ومستقبل مؤسساته سواء على المستوى الإدارى والتنظيمى، أو على مستوى المحتوى، وكلا الجانبين لا ينفصلان عن بعضهما البعض، مما يستوجب توجيه التحية لفريق العمل المحترف الذى يقف وراء هذا العمل بقيادة الصديق العزيز محمد بن فهد الحارثى، رئيس هيئة الإذاعة والتليفزيون. وأثق أن المنتدى فى نسخته الثانية يحمل رؤية تتسم بالتميز والإبداع وقراءة الواقع مع استشراف آفاق المستقبل.