مصر لا تنسى شهداءها، ولا تبخل على أبنائها بما يستحقونه من تكريم، ولعل توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسى بحصر شهداء مصر اعتبارًا من حرب 1948 خير دليل على منهج الوفاء الذى تحرص الدولة على تكريسه، وتقديم الشخصيات الوطنية العظيمة كقدوة للأجيال.
وأتمنى أن تشهد الفترة القادمة تكريم واحد من أخلص الرجال الذى أعطى وتفانى وقدم الكثير دون أن يحصل على حقه الواجب، وهو المهندس محمد فهيم ريان رئيس مؤسسة مصر للطيران الأسبق، الرجل الذى يمتلىء سجله الوطنى بالكثير من الإنجازات المضيئة فى تاريخ الوطن.
والمهندس محمد فهيم ريان هو أحد أبطال نصر أكتوبر العظيم، حيث كان كبيرًا لمهندسى القوات الجوية، ونجح فى تصنيع وتدبير قطع الغيار اللازمة للطائرات الحربية سوفيتية الصنع من طراز “سوخوى” مع فريق عمل من المهندسين عمل تحت قيادته فى الفترة التى أعقبت قرار الرئيس السادات بالتخلى عن الخبراء الروس، حتى نجحت قواتنا المسلحة فى تحقيق النصر.
وتقديرًا لخبرته ودوره قرر الرئيس أنور السادات تعيين المهندس محمد فهيم ريان رئيسًا لمصر للطيران عام 1980، وكانت شركة متعثرة بالمعنى الحرفى للكلمة فى ذلك الوقت، حيث لم يكن أسطولها يتجاوز 14 طائرة (7 طائرات بوينج 707، و7 طائرات بوينج 737 هدية من الشيخ زايد)، وشبكة خطوطها لا تزيد عن 40 مدينة، وتعانى فى تدبير مرتبات العاملين بها، وعلى مدى 22 عامًا نجح فى أن يجعلها شركة عالمية عملاقة تمتلك 34 طائرة تغطى 84 مدينة عالمية ومحلية، وتحولت من شركة متعثرة إلى شركة تمول مشروعاتها وتحقق فائضًا فى الأرباح، وارتفعت أصولها من 315 مليون جنيه إلى 12,3 مليار جنيه. وأصبحت شركة عملاقة تنافس الشركات العالمية.
أعتقد أن أفضل مناسبة لتكريم هذا الرجل الوطنى العظيم هو عيد الطيران المدنى المصرى الذى يحل يوم 26 يناير تخليدًا لذكرى نجاح الطيار المصرى محمد صدقى فى الطيران من برلين بألمانيا متحديًا الاحتلال الانجليزى – الذى حاول إفشال محاولته – حتى نجح فى الوصول بطائرته إلى مطار هليوبوليس بمصر الجديدة فى 26 يناير 1930 وسط احتفال شعبى كبير، مما شجع رجل الاقتصاد الوطنى طلعت حرب لإنشاء شركة “مصر للطيران” مايو 1932. ومن المصادفات العجيبة أن 26 يناير يوافق يوم ميلاد المهندس محمد فهيم ريان.
الزميل العزيز عبدالعظيم صدقى مدير الإعلام السابق بمصر للطيران والذى عمل لفترة طويلة مع المهندس ريان، يلفت النظر إلى أن المهندس فهيم ريان من أوائل شهداء الإرهاب الذى استهدف أرض سيناء، حيث شاء القدر أن يتوفى متأثرًا بجروحه فى حادث فندق هليتون طابا عام 2004 أثناء رئاسته لاجتماع شركة طابا للتنمية السياحية، ولم يتم تكريمه ومعاملته معاملة الشهداء حتى الآن، رغم أنه سبق تكريم العديد ممن عملوا فى الشركة الوطنية باطلاق أسمائهم على العديد من الوحدات مثل اسم المرحوم كمال أفندى علوى أول مدير عام وأُطلق على مبنى الخدمات الجوية، والمرحوم د.عصام أبوعبده الذى أطلق إسمه على قسم القلب المفتوح بمستتشفى مصر للطيران.
أتمنى أن يبادر الفريق محمد عباس حلمى وزير الطيران بتكريم المهندس محمد فهيم ريان أحد أبطال حرب أكتوبر ورائد الطيران المدنى باطلاق اسمه على المجمع الإدارى بطريق المطار أو مركز التدريب الإقليمى، وهذا أقل ما يمكن تقديمه لهذا الرجل الوطنى الذى عاش ومات عفيفًا زاهدًا مخلصًا لوطنه.