تجديد الخطاب الدينى ركيزة أساسية للاستقرار .. وتنوير العقل المصرى يبدأ من الأسرة
رئاسة مصر قمة المناخ COP 27 أظهرت وجهها الحضارى والإنسانى
تجمعنى صداقة قوية بالأنبا باخوم .. وسكنت لمدة 3 أعوام مع صديق قبطى
أجرى الحوار:
سامح محروس
يعد الدكتور مصطفى عبد الخالق رئيس جامعة سوهاج من أبرز المثقفين المهتمين بالشأن العام، إذ أن إسهامه الفكرى والمجتمعى لا يتوقف على حدود تخصصة الأصلى كأستاذ جامعى وطبيب، وإنما يمتد ليحمل رؤية للعديد من القضايا المجتمعية، وقد ظهر ذلك من خلال الدور التنموى البارز والإسهام الحضارى الذى تقدمه جامعة سوهاج، وكان من أبرز آثاره مشاركة الجامعة فى قمة المناخ ال 27 ( التى عقدت خلال الفترة من 6 إلى 19 نوفمبر الحالى) برؤية طرحها رئيس الجامعة فى إحدى جلساتها.
والدكتور مصطفى عبد الخالق صاحب رؤية متميزة للعديد من قضايا المجتمع مثل المواطنة وتجديد الخطاب الدينى، حيث تقوم جامعة سوهاج بدور كبير فى تحصين وعى الشباب ومواجهة حروب الأفكار، والتأكيد على مفهوم الدولة الوطنية التى تتسع لكل أبنائها بلا تمييز.
حاورنا الدكتور مصطفى عبد الخالق رئيس جامعة سوهاج، والتفاصيل فى السطور التالية..
* فى البداية سألت الدكتور مصطفى: شهدت مصر مؤخرًا انعقاد قمة المناخ الـ27، كيف ترى جهود الدولة لاستثمار هذا الحدث العالمى لاظهار الحضارة المصرية وتعزيز هويتنا الوطنية؟
– قال: هذه الفرصة ذهبية، حيث أن رئاسة مصر لقمة المناخ لا تقتصر على فترة انقعاد المؤتمر، بل تستمر لمدة عام حتى نوفمبر 2023، وهذا يمثل معان كثيرة أهمها ثقة العالم عندما أعطى مصر رئاسة قمة بهذا الحجم والتأثير على شعوب الأرض قاطبة، وهذا يعنى أن النظام العالمى يثق تماما فى الدولة والقيادة السياسية. إن العالم يتعرض لتغيرات مناخية شديدة هى محصلة سلوكيات البشر على وجه الكرة الأرضية، مثل ذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحار والمحطيات وتآكل الشواطئ وفتح طرق جديدة فى أماكن الجليد الذى يذوب ويمكن أن تمثل تنافسية للطرق القديمة القائمة. ومصر نجحت فى استثمار هذا الحدث بما يعبر عن الدولة المصرية وقدرتها أن تستفيد الى أقصى مدى من هذه الثقة التى منحها لنا العالم، بأن نظهر وجهنا الحضارى وكيف أن مصر تستطيع أن تقود العالم فى وضع استراتيجية عالمية، خاصة أننا أطلقنا الاستراتيجية الوطنية 2050، وقسمنا فيها تلك المرحلة الى ثلاثة عقود. وقد شاركت جامعة سوهاج بوضع استراتيجية للمتغيرات المناخية وارتكزنا على مجموعة من الثوابت، وخرجنا منها باستراتيجية للتغيرات المناخية بالتعاون مع محافظة سوهاج.
وأضاف الدكتور مصطفى عبد الخالق: إن انتقاء المكان لم يكن وليد الصدفة، بل أننا ندعو العالم لكى يزور أرض الفيروز .. سيناء .. التى أعلنت الدولة أن حرب 73 هى آخر الحروب، ونحن نبعث رسالة من أرض السلام للعالم كله، بأن العالم موجود على الأرض التى شهدت أتون العديد من الحروب. 4 حروب دارت على أرض سيناء، وهذا يؤكد أن مصر أرض السلام، وأنها آمنة مستقرة، وأن الشعب المصرى متلاحم مع كل الشعوب، وأننا قادرون على استقبال وتنظيم كبريات المؤتمرات، وأن مصر قادرة على استثمار هذا الملتقى وأن نصدر للعالم مخرجات التحولات التكنولوجية من أرض مصر، وأن يتم تصدير المعرفة. وأن نعمل لترجمة ما نادى به الرئيس من أن تكون مصر “أد الدنيا”.
* يحرص الرئيس السيسى فى كل المناسبات على التأكيد على الهوية الوطنية المصرية .. كيف ترى أثر هذه الدعوة على المجتمع المصرى؟
– المسلم والمسيحى هم الذين افترشوا أرضًا واحدة والتحفوا سماءً واحدة وشربوا من نيل واحد. حاربنا كل الحروب، وسالت دماؤنا جنبا الى جنب. من رفع العلم فى سيناء فى حرب السادس من أكتوبر هما المسلم والمسيحى. حاربنا معا الارهاب. عشنا أفراحًا واحدة وأثرت علينا أتراحًا واحدة، ولا يستطيع أى شخص على مستوى العالم أن يفصل بيننا لأننا نسيج واحد، وعشنا ومازلنا وسنظل شعب واحد، ومن يثيرون هذه المشكلة هم فلول الإرهاب، فالحرب القادمة هى حروب الفكر وليست المدافع والرشاشات، ولذلك فإن محاولة شق الصف هى نوع من حروب الفكر، وتشكيك الشعب المصرى فى قدرات بلده وتاريخه وحضارته، وكلها محاولات تستهدف هدم التاريخ والحاضر والمستقبل بعد أن فشلوا فى هزيمتنا بالبندقية والمدفع.
ويجب علينا أن نعى ذلك، وأن نواجههم بالفكر المضاد، والجامعات المصرية من أخطر النقاط لمواجهة ذلك، فالشباب الموجود بالجامعات هو أكثر فئة مستهدفة بهذا الفكر الهدام، ويجب أن نستوعب ذلك وأن نكون مستعدين بأن نصل إلى أبنائنا قبل أن يصل الآخرون إلى عقولهم، وأن نكون قريبين منهم فى كل مؤسسات الدولة، وخاصة أن الهرم السكانى فى مصر عريض القاعدة، والشباب هم الكتلة الحرجة التى يجب العمل عليها، وتلك هى حربنا القادمة. والجامعة دورها حيوى فى المرحلة القادمة. ويجب أن يكون الفكر والاحتواء بالمعرفة، لأنه ليس من السهولة السيطرة على عقول أبنائنا إلا بالمعرفة. نحن فى عصر السموات المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعى ويستطيع أبناؤنا أن يسبروا الغث من الثمين، ويجب أن يكون الحديث معهم بالدليل والشاهد والبرهان.
* يحرص المصريون على التشارك فى مختلف المناسبات والأعياد التى تحولت إلى مناسبات وطنية .. كيف ترى دلالات ذلك؟
– سأبدأ حديثى من طفولتى. عندما كنت طالبا فى المدرسة الاعدادية كنت الأول على الإدارة التعليمية بمركز ساقلته بسوهاج، وطلبت من والدى أن التحق بالمدرسة الثانوية العسكرية بسوهاج. وسألنى: هل ستسكن لوحدك؟ وطلبت من والدى أن أسكن مع أحد الزملاء لكى يشجعنى على استمرار الدراسة، فسألنى: من؟ فاقترحت أن يكون معى الطالب الثانى فى الإدارة التعليمية بساقلته، كرم عطا الجندى .. وهو أخ مسيحى، وسكنت أنا وكرم فى سوهاج وأمضينا 3 أعوام، كل يوم خميس يأتى والدى لنا بالطعام فى سوهاج، وكل يوم أحد يحضر والد كرم لنا بالطعام. وما لا أستطيع نسيانه أنه فى أحد أيام الخميس أبلغنى كرم بأنه ذاهب لحضور اجتماع الشباب بالكنيسة، وسألنى: هل تزعل لو ذهبت؟ قلت له: ولماذا أزعل؟ واقترحت عليه أن أذهب معه وأقف على باب الكنيسة على أن يستأذنهم فى حضورى، وذهبنا وكانت المفاجأة أن رحبوا بى، ودخلت ووجدت أن المتحدث فى اجتماع الشباب هو أستاذ الكيمياء الذى يشرح لنا فى الفصل الأستاذ رجائى فوزى الذى رحب بى وأجلسنى فى الصف الأول، ووجدت أن الـ 23 زميل مسيحى موجودين فى الكنيسة، وقال لهم: رحبوا بزميلكم، فصفقوا، ثم خرج الزملاء الـ23 وأحضر كل واحد منهم “حاجة ساقعة”، فوجدت 23 حاجة ساقعة مطلوب منى أن أشربهم، فقال لى الأستاذ: اللقاء طويل، وأمامه ساعتين أو ثلاثة .. كل عشر دقائق اشرب من زجاجة حتى ترضى زملاءك.. والله العظيم لا أنسى هذا الموقف. وكان لقاء من أسعد اللقاءات التى حضرتها فى حياتى. وكان هذا بداية صداقتى مع كنيسة مارجرجس بسوهاج، وتجمعنى صداقة قوية بالأنبا باخوم أسقف سوهاج، وفى كثير من المواقف عندما كنت عميدًا لكلية الطب وحين أجد الوقت مبكرا أن أتصل به، وأذهب له نتحدث فى كل شئ، أما فى العيد فإننا لدينا تقليد فى عيدى الميلاد والقيامة أن يجتمع مجلس الجامعة بأكمله ونحدد موعدًا لتهنئة الأنبا باخوم بالتنسيق مع المحافظ فنلتقى هناك. هذا الأمر تعودته منذ نعومة أظافرى. وكان والدى يأخذنا لزيارة الأخوة المسيحيين فى الأعياد، وفى رمضان نفتح الدوار، وأول من يزورنا هم الأخوة المسيحيون. وهذا ركن أصيل فى حياتنا. والعلاقات بيننا متشابكة، و99% من المشاكل التى تحدث تحل فى الدواوين والمجالس العرفية.
* بأى قدر نجحت جهود تجديد الخطاب الدينى والتصدى للأفكار الهدامة؟
– هذه قضية شائكة يجب أن نتفطن لها جيدًا، لأن إحدى المحاولات الأجنبية لهدم كياننا هو التسلل الى الخطاب الدينى، وتجديد الخطاب قضية مهمة جدا، ووضع السيد الوزير الأوقاف ضوابط بألا يعتلى المنابر إلا المُرخص لهم من وزارة الأوقاف، والحمد لله استرددنا الوطن الذى اغتصب منا بضعة شهور، وقال قولته وكانت فاصلة فى 30 يونيه، والخطاب الدينى من المرتكزات الأصيلة التى تؤدى الى استقرار المجتمع، وهناك سيطرة على الخطاب الدينى حتى لا يُترك الحبل على الغارب كما حدث فى السنوات القليلة التى سبقت 2011، لأن ما حدث فى 2011 كان المحصلة النهائية لتساهلنا قبلها، والحمد لله انتهى كل ذلك.
* جهود تنوير العقل المصرى .. كيف تؤتى ثمارها؟ ومسئولية من؟
– قال الدكتور مصطفى عبد الخالق: هذه مسئولية كل الشعب المصرى، نبدأ من الأسرة الأب والأم عليهما أول دور حيوى فى تنشئة أولادهم، ثم نتقل إلى الحضانة، وانتقاء معلمى الطفولة المبكرة مهم جدًا، ثم المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية.
* وكيف ترى الدور الذى يكم أن تقوم به الجامعة فى تنوير العقل المصرى؟
– لدينا 92 جامعة فى مصر من بينها 27 جامعة حكومية و12 أهلية و8 جامعات تكنولوجية، و4 جامعات أهلية ذكية، والباقى من الجامعات الخاصة. ومن الأهمية بمكان قيام الجامعات بدورها فى هذه الفئة العمرية، وألا يترك ذلك للصدفة، بل يتم من خلال خطة علمية مدروسة للأنشطة الطلابية لتوجيه أبنائنا للهدف المنشود. وانتقاء القائمين على تنفيذ هذه الخطة ودراسة توجهاتهم. ونحن مهتمون بذلك فى الجامعة، ونضع خطة سنوية من خلال الادارة العامة لرعاية الشباب تنقسم الى 3 محاور: الأنشطة الطلابية خلال الفصل الدراسى الأول، والأنشطة خلال الفصل الدراسة الثانى، والأنشطة خلال الاجازة الصيفية، ونركز فيها على تدريب القائمين على تنفيذ هذه الأنشطة، ثم تحديد مسئولية التنفيذ، والفترة الزمنية، والتمويل المطلوب لكل نشاط، ومؤشر قياس الأداء وخطة المتابعة ويعرض ذلك فى تقرير، وإذا ظهر قصور فى التنفيذ نحدد أسبابه وسبل المعالجة. وخلال الفترة الماضية عملنا نموذج محاكاة لمجلس النواب داخل الجامعة استقطبنا فيه كل الهيئة البرلمانية لمحافظة سوهاج 36 نائبًا حضروا بالقاعة الكبرى للمؤتمرات، وشكلنا مجموعة زارت مجلس النواب الحقيقى، وزارت مجموعة أخرى المجلس القومى لحقوق الإنسان وعرفوا ما هى الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان، كما أجرينا حوارًا وطنيًا مصغرًا على أرض جامعة سوهاج بمشاركة تنسيقية شباب الأحزاب. واستضفنا مجموعات من المفكرين وعلماء الأزهر والكتاب الصحفيين، والهدف أن نصل لأولادنا الطلاب بالفكر.
* كيف ترى المستقبل؟
– أراه مضيئا ولكن علينا التحمل بعض الشئ، العالم كله يمر بأزمة بسبب حرب أوكرانيا وروسيا وتغير أسعار السلع، وقبلها جائحة كورونا، إذن التأثيرات التى نتعرض لها ليست وليدة مشاكل الدولة المصرية، وما ننفذه من مشروعات قومية سيؤتى ثماره بعد حين. مشروع إسالة الغاز ومشروع الضبعة وشبكة الطرق والكبارى التى لا تخفى عل كل ذى بصيرة، ومشروعات حياة كريمة التى تغير وجه الحياة فى الصعيد، وأذكر أننى كنت أستذكر دروسى على لمبة جاز، اليوم دخلت الكهرباء فى الريف بانتظام، واليوم نتحدث عن تصدير الكهرباء للخارج، مع وجود تيار قوى فى القرى، الغاز الطبيعى موجود فى النجوع والكفور، وأصبحت هناك مشروعات ضخمة للصرف الصحى، بعد أن كنا نشرب بالطلمبات الحبشية من حيث نصرف، وتسببت سابقًا فى أمراض الفشل الكلوى والكبدى. اليوم أؤكد أنه بعد تنفيذ “حياة كريمة” سيتم خفض المنصرف على الخدمات الصحية لأن انتشار الامراض والوبائيات والأمراض المزمنة سينخفض، أقول لأقرانى من أبناء الشعب المصرى: انتظروا قليلا .. الدولة المصرية قادمة، المشروعات القومية ستؤتى ثمارها، لكن المطلوب منا الانتظار بعض الشئ حتى نتخطى الأزمات العالمية المفروضة علينا جميعا وليس لنا يد فيها.