كشف الدكتور محمد معيط وزير المالية عن مجموعة من الأرقام والمؤشرات المالية التى تستحق التوقف أمامها طويلًا، والمؤكد أنه حين يتحدث الدكتور معيط يجب الإنصات بل والإصغاء له أيضًا، إذ أن ما يقوله المسئول الأول عن خزانة مصر وميزانيتها ينطلق من أرقام وواقع تقره سجلات الدولة.
ولكن هل الأرقام وحدها تكفى؟ بالطبع: لا ..
إذ أن المواطن هو الهدف الأول والأخير من كل جهد وأى جهد تبذله الحكومة، والحكومة – بكل وزرائها وأجهزتها – تعمل عند المواطن ومن أجله ولتحقيق مصلحته. ويبقى من حق الرأى العام أن يطمئن إلى سلامة المسار الاقتصادى لبلاده، وأن يعرف إلى أين تسير، والمؤكد أن الوحيد القادر على تقديم إجابات على تساؤلات الشارع المصرى هو وزير المالية، وأهم ما يميز حديث الدكتور محمد معيط أنه لا يتحدث بأرقام مجردة، فالأرقام وحدها جوفاء صماء لا تعنى شيئًا، بل وأحيانًا يمكن أن تكون مضللة إذا أسئ استخدامها. ولكن الدكتور معيط يمتلك أسلوبًا وخطابًا إعلاميًا يحظى بدرجة عالية من الإقناع لأنه يضع الأرقام فى مكانها الصحيح، فلا يكتفى بأن يقدم أرقامًا وفقط، بل غالبًا ما تكون مصحوبة بمقارنات ومؤشرات توضح أين كنا وكيف أصبحنا وإلى أين نسير.
والمؤكد أن قضية الدين العام بشقيه الداخلى والخارجى، وعجز الموازنة العامة تعد واحدة من أهم الموضوعات التى تحتل مساحة لا يُستهان بها من شواغل الرأى العام. الظروف الحياتية وثورة الاتصالات دفعت الناس لمساحات أوسع من الإطلاع والسعى نحو المعرفة، وفى خضم هذا الوضع يبقى على الحكومة دور كبير فى الشرح والتفسير والتوضيح، وأعتقد أن شيئًا من ذلك فعله الدكتور محمد معيط وزير المالية فى جلسة المالية العامة والدين بالمؤتمر الاقتصادى الأخير (23 -25 أكتوبر 2022) حين كشف عن مجموعة من المؤشرات أبرزها:
– أن الدين العام حاليًا هو أقل دين شهدته مصر على مدار 42 سنة، حيث يبلغ حاليًا 78,7% من الموازنة بعد أن كان قد وصل فى مراحل سابقة إلى 120 -159%، وحقق 102% سنة 2011، والمستهدف النزول به إلى 72% خلال 4 سنوات.
– أن الدين الأجنبى كان يمثل 88,3% من إجمالى الدين قبل سنوات، وفى العام المالى 2021 يمثل 19% من إجمالى الدين.
– أن خدمة الدين بلغت 9,3% بين عامة 2018 – 2019، ووصلت حاليًا إلى 7,4%، وكان مقررًا النزول بها إلى 6% لولا ما شهده العالم من تغيرات، ويبقى الهدف النزول بها خلال السنوات القادمة.
حديث وزير المالية يكشف حجم التحديات التى واجهها الاقتصاد المصرى، وقدرته على تجاوزها، ويضع رؤية مستقبلية للسيطرة على الدين العام وخاصة الأجنبى.
وأعتقد أنه من الصعب على أى إعلامى أو صحفى أن يتجاوز مثل هذا الحديث، ولعلى أطالب باقى وزراء الحكومة بتقديم تقارير دورية للرأى العام يشرحون فيها ما تحقق وما لم يتحقق وما السبب، ورؤيتهم المستقبلية لمواجهة التحديات. فالمصداقية وحدها هى الكفيلة بتبديد ظلام الجهل وتحصين المجتمع من الشائعات.