سيبقى نصر أكتوبر 1973 العظيم كنزًا استراتيجيًا لا يُقدر بثمن، وحدثًا عظيمًا ملهمًا وموحيًا فى تاريخ أمتنا. إنه يوم مجيد فى تاريخ أمتنا، فرغم مرور 49 عامًا مازالت ملحمة العبور مليئة بالكثير من الأسرار التى تجسد عظمة هذا الشعب فى قطاعيه المدنى والعسكرى، ومن الواجب أن يتم تسليط الضوء على كل من شارك فى صنع هذا النصر الذى تقف خلفه كثير من الجهود والأعمال البطولية الخارقة.
منذ سنوات طويلة وأنا أتابع احتفاء الدكتور نادر رياض رئيس مجلس الأعمال المصرى الألمانى وأحد رواد الصناعة المصرية بهذا الحدث العظيم، وهو احتفاء مُقدر من رجل صناعة وطنى ومثقف له بصمته الكبيرة على المستوين العملى والفكرى.
غير أن أكثر ما لفت انتباهى هذا العام حديث إعلامى يكشف فيه الدكتور نادر رياض عن تاريخ مشرف، من حقه ومن حقنا معه أن نعتز به، حيث كان أحد الذين شاركوا فى صنع هذا النصر العظيم، حين تم استدعاءه فى الربع الأول من عام 1973 لمقابلة اللواء أمين محرز رئيس فرع الإطفاء بالقوات المسلحة، وسأله عن مادة قوية للإطفاء. ومنذ تلك المقابلة اعتبر الشاب نادر رياض – الذى لم يتجاوز عمره 30 عامًا وقتها – نفسه مكلفًا بأمر ما، وحصل من اللواء أمين على جركن به 5 لتر من مادة داكنة اللون، وطار به إلى المانيا حيث التقى بصاحب مصنع البودرة الكيماوية التى تُستخدم فى الإطفاء وطلب منه مادة تصلح لما قدمه له، وبعد بحوث استقر الرأى على استخدام بودرة سبق تصنيعها للبحرية الألمانية منذ 18 عامًا، وتمت تجربتها على عينات من “النابلم” وحققت نتائج مبهرة، وعاد الشاب المصرى الطموح نادر رياض ومعه 100 كيلو جرام من هذه البودرة، وتمت تجربتها على مسطح مجنزرة مُغطاة بالنابلم وحققت نتائج رائعة، ثم كان الاجتهاد الثانى من نادر رياض بتصميم جهاز يستوعب من 6 – 9 كيلوجرامًا لتغطية هذه المساحة، وتفوق الجهاز المصرى فى الاختبارات على غيره من الأجهزة المنافسة. وجرت تجارب الإطفاء فى مدرسة الحريق بالجبل الأصفر بحضور نحو 100 مجند، وفى اختبار النابلم احتاج الجهاز الانجليزى إلى 7 أو 8 أجهزة لتغطية المسطح، واستلزم الجهاز الإيطالى عددًا أكبر منه، بينما نجح جهاز مصرى واحد فقط فى إطفاء الحريق.
ويعلق الدكتور نادر رياض على ما حدث بقوله: لأول مرة أسمع صيحة الله أكبر من مدرجات الجنود، وكان لهذه الصيحة أثرها فى نفسى استعدته مع صيحة العبور.
وأضاف: لقد استوفينا طلبية كبيرة، وشعرنا أننا جزء من هذا النصر، ونحن الجيل الذى عاصر الهزيمة وشعر بمرارتها.
وينتقل الدكتور نادر رياض بذكرياته إلى مناظرة مهمة جرت وقائعها فى النادى الإنجليزى بألمانيا، ففى إحدى الأمسيات دارت بينه وبين مجموعة من الشخصيات ذات الميول الصهيونية مناظرة انتهت بانتصاره، وكان من أبرز الأسئلة التى وجهت له: هل تعتقد أن أرض فلسطين – الإسرائيلية الآن – كانت ستصبح أكثر حظًا لو تُركت فى يد الفلسطينيين بدلًا من الإسرائيليين؟ ..أكثر نجاحا أم أقل نجاحا؟
وبهدوء وثقة أجاب: أنت تحاول التشكيك فى مفهوم الملكية، هل معنى أننى لا أجيد استعمال دراجتى أن من حق أى شخص آخر أن يغتصبها منى لأنه أكثر مهارة فى استعمالها؟ هل تريد أن تقوض نظام الملكية المستقر منذ بدء الخليقة؟ كل واحد أولى بما يملك.
مواقف الدكتور نادر رياض تكشف عن جانب وطنى وتاريخ مشرف من حقه ومن حق كل من يعملون معه ويعرفونه أن يتشرفوا به، وهو رصيد وطنى يُضاف إلى إنجازات أخرى نعرفها عن رجل الصناعة والمثقف.